فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

يكاد المفسرون يجمعون على أن هذه الآية تدل على أنه إذا عاش قوم في نعمة فإن اللّه لا يغيرها عنهم إلا إذا عصوا ربهم وظلم بعضهم بعضا ولازم هذا التفسير أن النعمة تدوم وتزداد بالشكر والطاعة وانها تزول بالجحود والطغيان وكان وما زال في النفس شيء من هذا التفسير لأمور:
أولها: اننا نرى المحتكرين والمستثمرين كلما نشطوا في الطغيان والسلب والنهب كثرت أموالهم وربت.
وثانيها: ان هذا التفسير يتنافى مع قول اللّه تعالى في الآية الثالثة والثلاثين من سورة الزخرف: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} إذن فالسعة في الرزق لا تدل على رضا اللّه كما أن الضيق لا يشعر بغضبه لأنه لا يجزي الشاكرين بالذهب والفضة ولا يعاقب العاصين بالحرمان منهما بل الأمر بالعكس فقد جاء في القرآن الكريم أن اللّه يعاقب الجاحدين بكثرة الأموال {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون}.
وثالثها: انه متناف مع ما هو مأثور ومتعالم من أن المؤمن مبتلى وممتحن.
ولعل خير تفسير تتحمله الآية هو أن يقال: ان المرء الذي يثور أولا على نفسه فيصلحها إنما هو المصلح الحقيقي وعلى ما ورث من تقاليد ونظم ربما كانت فاسدة أو على ما أفسده الزمان فيصلحه هو الذي يصح أن يكون معنيا بهذه الآية التي تكمن فيها روح الشجاعة والثورة على فساد العادات والتقاليد وفساد العقائد والمبادئ وعلى الفقر والجهل وعلى الاستعمار والاقطاع، كما تكمن فيها روح الثورة على الذين يبنون قصورا من عرق الكادحين ويعدون سيارات من دموع المنكوبين.

.[سورة الرعد: الآيات 12- 14]

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14)}

.اللغة:

{السَّحابَ}: الغيم المنسحب في الهواء والسحاب اسم جنس واحده سحابة فلذلك وصف بالجمع وهو الثقال جمع ثقيلة، ويفهم من كلام صاحب القاموس انه جمع سحابة قال: والسحابة: الغيم والجمع سحاب وسحائب وسحب.
{الْمِحالِ}: المماحلة وهي شدة المماكرة والمكايدة ومنه تحمل لكذا إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه ومحل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان ومنه الحديث: «ولا تجعله علينا ماحلا مصدقا» وقال الأعشى:
فرع نبع يهشّ في غصن ال ** مجد غزير الندى شديد المحال

ولعل أصله المحل بمعنى القحط وقيل: فعال من المحل بمعنى القوة فالميم أصلية وقيل أصله مفعل من الحول أو الحيلة أعل على غير قياس وفي القاموس: والمحال ككتاب الكيد وروم الأمر بالحيل والتدبير والقدرة والجدال والعذاب والعقاب والعداوة والمعاداة كالمماحلة والقوة والشدة والهلاك والإهلاك، ومحل به مثلث الحاء محلا ومحالا كاده بسعاية إلى السلطان وماحله مماحلة ومحالا قاواه حتى يتبين أيهما أشد. وفي الأساس: وماحله كايده، وهو شديد المحال ورجل متماحل فاحش الطول وبلد متماحل: بعيد، قال يصف فرسا:
من المسبطرّات الجياد طمرّة ** لجوج هواها السبسب المتماحل

وقال آخر يصف بعيرا:
بعيد من الحادي إذا ما ترقّصت ** بنات الصّوى في السبسب المتماحل

قال الزجاج يقال: ما حلته محالا: إذا قاويته حتى يتبين أيكما أشد، وقال ابن قتيبة: أي شديد الكيد وأصله من الحيلة جعل الميم كميم المكان وأصله من الكون قال الأزهري: غلط ابن قتيبة ان الميم فيه زائدة بل هي أصلية وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسور فهي أصلية مثل مهاد وملاك ومراس.

.الإعراب:

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ} هو مبتدأ والذي خبره ويريكم البرق فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعولاه والجملة صلة وخوفا وطمعا اختلف في نصبهما فقيل على المصدرية أي لتخافوا خوفا ولتطمعوا طمعا وقيل هما حالان من الكاف في يريكم أي حال كونكم خائفين وطامعين ويجوز أن يكونا مفعولا لهما واختاره أبو البقاء ومنعه الزمخشري ونص عبارته: لا يصح أن يكونا مفعولا لهما لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي إرادة خوف وطمع أو على معنى إخافة وإطماعا ويجوز أن يكونا منتصبين على الحال من البرق كأنه في نفسه خوف وطمع أو على ذا خوف وذا طمع أو من المخاطبين أي خائفين وطامعين ومعنى الخوف والطمع أن وقوع الصواعق يخاف عند لمع البرق ويطمع في الغيث قال أبو الطيب:
فتى كالسحاب الجون تخشى وترتجى ** يرجّى الحيا منها وتخشى الصواعق

على أن منع الزمخشري فيه تعسف ويمكن أن يكونا مفعولا لهما على أن المفعول له في مثل هذا الفعل فاعل في المعنى لأنه إذا أراهم فقد رأوا والأصل: وهو الذي يريكم البرق فترونه خوفا وطمعا أي ترقبونه وتتراءونه تارة لأجل الخوف وتارة لأجل الطمع. وينشئ السحاب عطف والسحاب مفعول به والثقال صفة للسحاب. {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} عطف على ما تقدم ويسبح الرعد فعل مضارع وفاعل وبحمده في موضع نصب على الحال وفي هذه الباء خلاف ترى بحثا عنه في باب الفوائد، والملائكة عطف على الرعد أي ويسبح الملائكة من هيبته وإجلاله فهو متعلق بيسبح ولك أن تنصبه على الحال أي هائبين وخائفين. {وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ} ويرسل الصواعق عطف على ما تقدم فيصيب عطف أيضا وبها متعلقان بيصيب ومن مفعول به ليصيب وجملة يشاء صلة. {وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ} الواو استئنافية أو حالية وهم مبتدأ وجملة يجادلون خبر وفي اللّه متعلقان بيجادلون والواو حالية وهو مبتدأ وشديد المحال خبره والجملة حالية. {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} له خبر مقدم ودعوة الحق مبتدأ مؤخر وهي من اضافة الموصوف إلى صفته أي لدعوة الحق المطابقة للواقع. {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ} والذين مبتدأ وجملة يدعون صلة والضمير في يدعون عائد على الكفار والعائد على الذين محذوف أي يدعونهم ويؤيده قراءة من قرأ {تدعون} بالتاء في تدعون وقيل الذين أي الكفار الذين يدعون ومفعول يدعون محذوف أي يدعون الأصنام والعائد على الذين الواو في يدعون والواو في ولا يستجيبون عائد في هذا القول على مفعول يدعون المحذوف وعلى القول الأول على الذين، ومن دونه حال وجملة لا يستجيبون خبر ولهم متعلقان بيستجيبون وكذلك بشيء.
{إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ} إلا أداة حصر وكباسط متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف أي إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه وكفيه مضاف لباسط والى الماء جار ومجرور متعلقان بباسط وليبلغ اللام للتعليل ويبلغ مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بباسط وفاه مفعول به وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الخمسة وفاعل يبلغ ضمير الماء والواو حالية وما نافية حجازية وهو اسمها واختلف في هذا الضمير فقيل انه ضمير الماء والهاء في ببالغه للفم وقيل انه ضمير الفم والهاء في ببالغه للماء وقيل انه ضمير لباسط والهاء في ببالغه للماء، وببالغه الباء حرف جر زائد وبالغه مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما. {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} الواو حالية أو استئنافية وما نافية ودعاء الكافرين مبتدأ وإلا أداة حصر وفي ضلال خبر.

.البلاغة:

1- في قوله تعالى: {هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا} فن رائع من فنون البلاغة وهو صحة الاقسام ويمكن تحديده بأنه عبارة عن استيفاء المعنى من جميع اقسامه ووجوهه بحيث لا يغادر المتكلم منها شيئا، ففي الآية المذكورة استوفي قسمي رؤية البرق إذ لبس فيها إلا الخوف من الصواعق والطمع في الأمطار كما ألمعنا في الاعراب ولا ثالث لهذين القسمين ولكن مجرد استيفاء الأقسام لا يعتبر بيانا بل هناك أمر أبعد من ذلك وأدق وأبعد منالا وهذا الأمر هو تقديم ما هو أولى بالذكر وأجدر بالتقديم وفي الآية قدم الخوف على الطمع إذ كانت الصواعق يجوز وقوعها من أول برقة ولا يحصل المطر إلا بعد تواتر الا براق لأن تواتره لا يكاد يخلف ولهذا كانت العرب تعد سبعين برقة وتنتجع فلا تخطئ الغيث والكلأ وقد رمق أبو الطيب سماء هذه البلاغة العالية فقال:
وقد أرد المياه بغير هاد ** سوى عدي لها برق الغمام

يقول: لا أحتاج في ورود الماء إلى دليل يدلني سوى أن أعد برق الغمام فأتبعه كعادة العرب في عدها بروق الغمام، قال ابن السكيت:
العرب إذا عدت مائة برقة لم تشك في أنها ماطرة قد سقت فتتبعها على الثقة بالمطر. وقال ابن الاعرابي في النوادر: العرب كانوا إذا لاح البرق عدوا سبعين برقة فإذا كملت وثقوا بأنه برق ماطر فرحلوا يطلبون موضع الغيث، وأنشد عمر بن الأعور:
سقى اللّه جيرانا حمدت جوارهم ** كراما إذا عدّوا وفوق كرام

يعدون برق المزن في كل مهمه ** فما رزقهم إلا بروق غمام

ولما كان الأمر المخوف من البرق يجوز وقوعه من أول برقة واحدة أتى ذكر الخوف في الآية مقدما أولا لكون الواحد أول العدد ولما كان الأمر المطمع من البروق إنما يقع بعد عدد من الابراق أتى ذكر الطمع تاليا لكونه لا يقع إلا في أثناء العدد وليكون الطمع ناسخا للخوف كمجيء الرخاء بعد الشدة، والفرج بعد الكربة، والمسرة بعد الحزن، فيكون ذلك أحلى موقعا في القلوب ويشهد لهذا التفسير قوله: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحتمه} فجاء معنى الآية على ما جاء رحمة من اللّه سبحانه بخلقه وبشرى لعباده.
المؤاخاة بين المعاني والمؤاخاة بين المباني:
وحيث وصلنا إلى هذا المدى من ترتيب الاقسام يجدر بنا أن نتحدث عن المؤاخاة بين المعاني والمؤاخاة بين المباني وانها سر البيان ونسمة الروح فيه وقد أخذوا على أبي الطيب قوله على أنه آية في الحسن والروعة:
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها ** سرور محب أو مساءة مجرم

فإن المقابلة الصحيحة بن المحب والمبغض لا بين المحب والمجرم وليس كل من أجرم إليك كان مبغضا لك.
وروى أبو الفرج في الأغاني انه اجتمع نصيب والكميت وذو الرمة فأنشد الكميت:
أم هل ظعائن بالعلياء رافعة ** وإن تكامل فيها الدّلّ والشنب

فعقد نصيب واحدة فقال له الكميت: ماذا تحصي؟ قال: خطأك فإنك تباعدت في القول، أين الدل من الشنب؟ ألّا قلت كما قال دو الرمة:
لمياء في شفتيها حوّة لعس ** وفي اللّثات وفي أنيابها شنب

وهذا موضع دقيق- كما قلنا- يتورط فيه أرباب النظم والنثر كثيرا وهو مظنة الغلط لأنه يحتاج إلى شفوف طبع وثقوب نظر وقد وقع الخطأ لأبي نواس في قوله في وصف الديك وهي أرجوزة سنوردها في باب الفوائد لملاحتها وندرتها ولأن الدواوين الموجودة بين أيدينا أوردتها خطأ قال:
له اعتدال وانتصاب قدّ ** وجلده يشبه وشي البرد

كأنها الهداب في الفرند ** محدودب الظهر كريم الجد

فإن ذكر الظهر من جملة الخلق والجد من النسب وكان ينبغي أن يذكر مع الظهر ما يقرب منه ويؤاخيه أيضا وسيرد من أمثلة هذا الفن في كتابنا الشيء الكثير.
2- وفي قوله تعالى: {والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه} تشبيه تمثيلي رائع فقد شبه دعوة الكفار للآلهة ليستجيبوا لهم ثم صمم الآلهة وجمودها وعدم استجابتها وهذا هو المشبه المركب بمن يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وهو بعيد عنه ثم يبالغ في الدعوة ويحمله الهوس على الرجاء من الماء أن يستجيب وهو جماد لا يشعر فهذا هو المشبه به.
وقيل شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه لبشربه فبسطها ناشرا أصابعه فلم تلق كفاه منه شيئا ولم يبلغ طلبته وشربته.
وقال أبو عبيدة أي كالقابض على الماء ليس على شيء قال والعرب تضرب المثل في الساعي فيما لا يدركه بالقابض على الماء وأنشد سيبويه:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها ** من الود مثل القابض الماء باليد

وقال آخر:
وإني وإياكم وشوقا إليكم ** كقابض ماء لم تطعه أنامله

وقال آخر:
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ** على الماء خانته فروج الأصابع